Responsive Ads Here

الجمعة، 22 يوليو 2016

قَفَصْ | قِصَّةٌ قصيرة

اهلاً مجدداً اعزائي القراء .. 
هذه قصة قصيرة كنت قد اشتركت فيها مسبقاً بمسابقة ما .. 
في الحقيقة أتمنى ان تقرأوها لأنها حازت على المركز الاول دون ان يعلم احد ان كاتبها أنا ">_> .. 
لذا ارجوكم استمتعوا بقراءتها ^~^ .. 



-
يعبر الخيالُ فينا و يغطي كُل ظلام الواقع ، 
و يعمينا عن ضوء الحقيقة اللامع من بعيد ! 
كل فجوة تعاسه او نَقص ، كُل شيء مُحال .. 
يأخذه الخيال قريباً ، أمام أعيننا العمياء ! 

و كما أن العصى نتكئ عليها في حال تأذت اقدامنا ، 
نحن نعتمد على الخيال عندما يُصبح الواقع رثّاً بعض الشيء بالشكل الذي يعيقنا عن الحياة الحقيقية  ! 
حيث يصبح الخيال باباً وهمياً لأمل متوهج ، و يكون اقرب لسراب الصحراء .. لا يروي أحداً .. لكنه يُروى في كل جفن اسود و في كُل هدوء و سكينة . 

---


لطالما عانيتُ من نقص شديد في النظر ، يُحيل أي منظر ما إلى لوحة رسام لم تكتمل بعد خطوطها ، لم يكن من المهم حقاً ذلك كوني استطيع رؤية اي شيء ما بالقُرب مني ، وليس من شيء لأنظر إليه بعد اليوم ، فأنا أعمل في دار أيتام صغيره كنت قد نشأتُ فيها -ولا أزال أفعل - جوار اطفال كثيري البكاء ، وحيدين ، لا يعلمون شيئاً عن العالم الخارجي سوى انه مخيف و مُرهب و رُبما لا تزال تلك الفكرة تدور في عقول قاطني هذه الدار حتى لو بلغوا من العُمر ما بلغوا .. 
كان من الخاطئ جداً عبور بوابة الدار الصغيرة لأي ظرف كان ، فالخارِجُ لا يعود ابدا، سيودع جماعته الصغيرة للأبد .. 
و أما أنا ، فلا جماعة لدي في هذه الدار الصغيرة .. 
لقد وُلدتُ لأتعلم أن لا يبقى أحد معي و أصبحتُ ارفض تصديق ما يُقال من اقوال في قرارة ذاتي و ارفض حقيقة السجن المسكين الذي احتضننا بكل حنان و شفقه و كُنت ارفض أني هنا ، ووحدي من يعلم اني ارفض ! 
و كان يُخجلني ضعف ممن هم على شاكلتي ، و انكسارهم للزمن .. 

في كُل ليلة سوداء قاحلة ، كنت اتسلل من المنزل ك لصّ يطمع في سرقة مجهورات سيدة غنية ، و اتجه إلى ما قبل سور الدار ، لأُطِلَّ على القمر الذي لا اراه جيداً ، و التل الربيعي ربما ، الذي كأنما ارى من خلفه غابة من أشجار الأرْز الطويلة و أُشاهد كل هذا الغموض الجميل الموجود في كل زاوية من زوايا الكون و كنت احسب ان ما اراه الان هو ما يراه الاخرين و هو ما يوجد في الصباح و هو ما يحكي عنه البشر في حكاياهم .. 
كُنت سعيدة بكل هذا الليل 
و حين يقترب الصبح اتسلل مرة اخرى إلى الداخل و أُمثِّل أني قد استيقضتُ للتو من نومٍ عميق .. 

كان هذا ما يحدث لي كُل يوم ، حتى قررتُ هذا اليوم المجازفه و الخروج من هذه الدار الصغيره نحو ذلك العالم الواسع الذي اجهله تماماً ،. 
كان من السهل اختيار القرار .. 
قمت بتجهيز العتاد للسفر خارج هذا الوطن الصغير و تسللتُ للمرة الأخيرة حتى تخطيتُ ذلك السور القصير ! 
و انطلقتُ نحو العالم المُرهب بكُل قوة و شجاعة !! 
و بقيت طوال الليل اسير إلى اي اتجاه اخر لا يُعيدني للدار .. 
كان الهدوء يُحيط المدينة بينما أنا اسير وحدي في هذه الشوارع بلا أي تدخل ! كُنت استكشف هذا الكون و أصفه لنفسي وحدي كما لو انني الشخص الحَي الوحيد في هذه المدينة .. 
اقترب الفجر الذي لم اراه ، و انتشر الضياء بشكل خُرافيّ ! 
أنار المنازل الجميله ! و لوّن الأشجار الصغيره و الورود !! 
كان شيئاً لا يوصف !! 
رغم كل التعب الذي حصلتُ عليه من قلة النوم و السير ، إلا ان الوقوف امام هذا الانتشار العظيم للسماء الجميلة ، يُنسيني نفسي !! 
و أضاف لسوء نظري لمسة جميلة !! منها أصبح المنظرُ مُشرقاً مُنيراً أكثر !! 

مر وقتٌ طويل حتى خرج الناس من سُباتهم .. 
و حتى انتهت لحظاتُ التأمل الساكنه الهادئة .. 
اصبحتُ اتمشى في المدينة منبهرة من كُل شيء ! 
كُنت احسب الخارج مُشابه لتلك القِطعة الصغيرة التي كنت اعيش فيها .. 
شاهدتُ ألف شيء غريب للدرجة التي تجعلني أرتجف حماساً ! 

حانت الظهيرة ، و أشعلت الشمس شُعيرات رأسي ! 
مضيتُ النهار كُله في الشوارع الغريبه ، اتمشى في الأرجاء و اتعلم عن هذا الكون الجديد ، إلى أن غرّد العصفورُ الجائع في بطني ، فأكلتُ شطائر الجُبن سريعاً و أكملتُ الرحلة .. 
 
يالَ هذه الأرض الواسعه ! 
و البشر السُعداء ! و الأطعمة الغريبة ! 
يالَ هذه المدينة الجميلة المخفية ! 

 استمرت الرحلة طويلاً .. 
حتى حفظتُ اشكال المباني و باتت متشابهه الان في نظري .. 
يوماً بعد يوم ، أصبح كُل شيء طبيعي بالنسبة لي و يوماً بعد يوم انتبه لنفسي أكثر مما يُحيط بي ! 
لم يعد المكان مُبهراً اكثر ، قُمت بمشاهدة كُل شيء ! و أيضاً ، لم اكن أملك ما يكفي من مال و الرحلة هذه تستمر مدى الحياة .. 
لم اكن افكر في نفسي سابقاً .. لم اكن اعلم أن لا أحد يلاحظك هنا حتى لو تجرأت لتسأل .. 
مالذي ستقوله ؟ مالذي افعله للعيش هنا ؟ 
ذهبتُ إلى إحدى المطاعم الصغيرة و سألت البائعة كيف احصل على المال هنا و كيف اعيش في هذه البلدة ؟ 
سألتُها مُضطره لا راغبه .. 
ضحكت قليلاً و اخبرتني أنه بإمكاني العمل في إحدى الأماكن في البلدة و ربما يسمحون لي بالعيش في المكان الذي أعمل فيه  ، و عقّبت حديثها بأنها لا تستطيع توظيفي كونها قادرة على العمل وحدها .. 
سألتها كيف سيكون العمل و إلى أين اذهب ولكنها أخبرتني أنها لا تعرف مكاناً مناسباً و لكن لو قمت بالبحث في الأرجاء ربما أجد شخصاً اخر يستطيع مساعدتي .. 

خرجتُ من هُنا متجهةً إلى مكان لا اعرفه .. 
بحثاً عن شخص طيب يستطيع مساعدتي ، 
وجدتُ ضالتي أخيراً في مَحل صغير لتصليح الأجهزة المنزلية المعطوبه ، كُنتُ متردده نوعاً ما لأنني لا أعرف ابداً كيف سأقوم بالعمل هنا ، لكنه المكان الوحيد المتبقي لي .. 
وجدتُ رجلا كبير العمر رث الملابس مبعثر الشعر،  سُعدتُ لأول مرة ، فربما يعطف هذا الرجل الكبير على شخص مثلي ، كُنتُ متفائلة جداً ! 
لكنه قابلني بأعين باردة ، و كأن جسده المتعب قد حصل على كل هذا التعب من الحديث معي فقط ..
بالرغم من ان وجودي قد يساعده هو الاخر ، الا انه لم يرغب بوجودي إطلاقاً .. 
لم أحتمل معاملته لي و قمتُ بالخروج .. 
 عُدتُ إلى أول امرأة ذهبتُ إليها و سألتها عن رفضها لوجود شخص يساعدها ، لكونها تعمل وحيدة في المطبخ و البيع .. 
اخبرتني أنها بحاجة للمال أيضاً ، لذا لا تستطيع التفريط بالمال لموضف اخر و لهذا تقوم بالعمل الشاق وحدها .. 
لذا قلت لها إن كنت استطيع العمل هنا مقابل العيش و الطعام فقط .. لأن لا مكان اخر استطيع العيش فيه .. 
و أنني قادرة على الطهو و التنظيف بشكل جيد و قادرة على مساعدتها بطهو وجبات الغداء الاساسية أو أي شيء اخر هي بحاجة إليه .. 
و قد وافقت على هذا بل أنها رحبت بي و بوجودي معها .. 
و استمريت في المطعم ، اعيش في حُجرة في الطابق السُفلي منه و اقوم بتجهيز الأشياء و بيع الطعام للزبائن و ما إلى ذلك .. 
كانت السيدة لطيفة جدا و سخية معي بالطعام و الشراب وكانت عائلتها عائلة محترمة ،  تمنيتُ لو أنني كُنت بينهم مُذ خُلِقت .. 

مضت سنة كامله و انا اعمل معها في مطعمها الصغير ..
 إلى أن سائت صحة السيدة في بداية السنة الجديدة ، واضطر زوجها إلى تأجير الطابق السُفلي الذي يحوي المطعم و بقية الغُرف الأخرى .. لأن السيدة لن تكون قادرة على العمل فيه ، و المبلغ الذي يحتاجونه للعلاج لا يُغطيه المردود المادي من المطعم .. 
و اضطررت انا بنفسي للخروج من المكان دون أن أُحرجهم أكثر أو أجعل نفسي عالة عليهم مع أطفالهم .. 
أردتُ البحث أكثر عن مكان اخر .. ولكن لا أحد كان لطيفاً كفاية ليبقي شخص اخر معه .. 
ولم اكن اريد العيش مع احد يريد إهانتي و الإسائة لي .. 
علمتُ حينها أن شفقة الدار تلك أرحم و ألطف من إحتقار هؤلاء البشر .. 
أردتُ العودة حقاً .. ولكنني كُنتُ خائفة من أنهم سيرفضون عودتي هُم أيضاً .. 
ولكن .. يجدر بي العودة سريعاً .، قبل أن يسوء الوضع أكثر .. 
الشيء الوحيد الذي اعرفه عن مكان الدار ، انها خلف غابة كبيرة .. 
سألتُ الجميع و أخبروني أنهم لا يعرفونها و أن هناك غابة بعيدة جداً عن البلدة لربما تكون هي من أقصدها .. 
و قبل أن أهم بالذهاب .. وجدتُ شخصاً كُنتُ اعرفه في السابق !! كان يقوم بتوصيل متطلبات الدار للداخل ،
كيف يعيش هذا الرجل هنا و الدار بعيدة جداً عن البلدة !!
قُمتُ بمصافحته و لم يعرفني كون الدار مليئة بالاشخاص و كونه لا يأتي الا في فترات متباعده ! 
سألته عن الدار التي كنت اعيش فيها و أخبرني أنها قريبة من هُنا ..و سألته أيضاً إذا كان يستطيع إيصالي لها لأنني لا أعرف أين تكون .. فأخذني إليها .. 
في لحظة وصولي علمت أن الدار تقطن في مكان نائي بعض الشيء و ان الغابة لا وجود لها في الحقيقة و ان الدار أصغر مما كنت أعرف .. 
دخلتُ إليها نادمة ، خائفة من مواجهتهم ..  لكن .. استمر الجميع كما كانوا ، كما لم أذهب طويلاً وكما لو انهم اعتادوا على هذا لولا انني اطلتُ البقاء خارجاً اكثر من المتوقع ، و استمريتُ فيها كما في السابق عدا انني اصبحت أنام ذلك الليل و اعرفُ ان تلك الغابة الكبيرة مُجرد تل و ان لا شيء آخر قادر على احتضاني سوى هذا المكان الصغير و أنني باقية فيه إلى ( الأبد )  ..




تمت .


و اخيراً .. لا تنسوا كتابة تعليقاتكم عن القصة في انستقرامي .. لأنني حقاً انتظر تعليقاتكم *^* !! 
ايضاً لي عودة بإذن الله #~# .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق